تَتقاسم المَشهد اللبناني هذه الأيام التحضيراتُ للانتخابات النيابية المُقرَّرة في 6 مايو المقبل والاستعداداتُ لثلاثة مؤتمرات دولية تَسبقها لدعم اقتصاد لبنان وجيشه وتعزيز قدرته على تَحمُّل أعباء النزوح السوري، وهما المساران المتوازيان اللذان يظلّلهما مناخُ استقطابٍ داخلي على أكثر من "جبهة" ذات صلة بالسياسة وأزماتٍ حياتية ويُنتظر ان "يشتدّ" في الفترة الفاصلة عن فتْح صناديق الاقتراع والمرشّحة لاستخدام مختلف "أسلحة" التحفيز والاستنهاض للناخبين، لا سيما في ظل القانون الجديد الذي سيجري على أساسه الاستحقاق والذي نَقَل المنافسة إلى داخل اللائحة الواحدة والحزب الواحد.
وفي حين بدأتْ مختلف الأطراف السياسية بـ "تزييت ماكيناتها الانتخابية" والتهيؤ لحسْم التحالفات التي تتداخل في رسْم خريطتها اعتباراتٌ متضاربة بين أفرقاء يرون في الانتخابات المقبلة فرصة لتكبير كتلهم البرلمانية أو الحفاظ على "أوزانهم" ربْطاً باستحقاقات مقبلة وبين آخرين لا يتعاطون معها إلا من الزاوية الاستراتيجية التي لطالما قاربوا من خلالها الواقع اللبناني، فإن إقامة "عازِل صوتٍ" عن صخب "المعركة" السياسية - الدستورية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري حول "أزمة المرسوم"، كما عن ضجيج "تتمتّها" على "محور" عرض فيلم ستفين سبيلبرغ "the post"، يَسمح بتلمُّس أن "حزب الله" حدّد "الهدف الأمّ" من الاستحقاق النيابي والمتمثّل بالإمساك بـ "فيتو" الثلث المعطّل (43 نائباً من أصل 128 يتألّف منهم البرلمان) عبر "كتلة متراصة" و"صافية" للحزب وحلفائه (من دون "التيار الوطني الحر" أي حزب عون).
وترى أوساط سياسية انه رغم أن هذا "الهدف" قد يبدو للوهلة الأولى متواضعاً إذا قيس بالمخاوف التي سادتْ داخلياً وخارجياً من إمكان أن يفوز "حزب الله" بالغالبية البرلمانية، فإن مصادر مطّلعة ترى أن الحزب يضع هدفيْن متلازميْن، الأوّل والأهمّ حصْد الـ 43 مقعداً بما يضمن التحكّم بمسار العمل البرلماني في المسائل الجوهرية التي تحتاج إلى نصاب وأكثرية الثلثين وأبرزها الانتخابات الرئاسية المقبلة، والثاني تشكيل تحالف عريض يضمّه وحلفاءه مع "التيار الحر" لضمانِ تكوين أكثرية في مجلس النواب العتيد.
ورغم أن من السابق لأوانه الحديث عن تبايناتٍ على خط "حزب الله" - "التيار الحرّ" تُخرِجهما من التحالف الاستراتيجي ربْطاً بالمواجهة المفتوحة بين عون وبري، فإن المصادر نفسها ترى أن تعميق الانطباع بوجود تَباعُدٍ ما بين التيار والحزب من شأنه أن يخفّف من "الوقع السلبي" خارجياً لأي نتيجة للانتخابات تفضي إلى فوزهما بالنصف زائد واحد وما فوق، في حين يكون الحزب "وضع في الجيْب" مفتاح الثلث المعطّل بما يجعله يدفع بالمركب اللبناني رسمياً من الخلف بما يخدم أجندته الاستراتيجية، على أن يكون التلاقي "على القطعة" مع "التيار الحرّ"، بمعنى أن يكون التحالف الانتخابي بينهما في بعض الدوائر وليس شاملاً كل لبنان.
وحسب هذه المصادر، فإن "تضييع بوصلة" مَن يُمسِك بأكثرية برلمان 2018 - 2022 قد يكون أمراً يلقى صدى إيجابياً لدى المجتمع الدولي غير الراغب في أن يتحكّم "حزب الله" بمفاصل اللعبة السياسية في لبنان انطلاقاً من نتائج الانتخابات، وصولاً الى ما كان جرى كشْفه عن ربْط تسييل المساعدات التي ستقّر للبنان في مؤتمر "روما 2" لدعم الجيش المتوقع عقده نهاية فبراير المقبل ومؤتمر "سيدر 1" في باريس أوائل ابريل لدعم الاستثمار في لبنان، ثم مؤتمر بروكسيل للنازحين نهاية ابريل بما ستفرزه صناديق الاقتراع على هذا الصعيد.
(الراي الكويتية)