ماذا بعد استقالة بيفاني شاغل منصب مدير عام وزارة المال لعقدين من الزمن؟ هل نعى باستقالته خطّته المتعافية تلك؟ وما انعكاسات استقالته على التفاوض مع صندوق النقد؟
ضُربت خطّة حكومة دياب من بيت أبيها، وأٌصيبت إصابات بالغة وربما مميتة. فالمستقيل أحد عرّابي الخطة، وكان قد سبقه مستشار وزير المال هنري شاوول إلى الإستقالة من عضوية الوفد اللبناني مع صندوق النقد الدولي. وبصرف النظر عن دوافعه، وما إذا كان أراد القفز من القارب الغارق وهو المساهم بالإغراق بحكم موقعه، أو الإعتراض على "تركيبة جديدة ستأخذنا إلى كارثة" وفق قوله، مما لا شكّ أنّ تداعيات الإستقالة ستنعكس على التفاوض مع صندوق النقد.
وبرأي الخبير المالي والإقتصادي الدكتور بلال علامة فإن الإستقالة بمثابة نعي لخطة التعافي التي شارك بيفاني بوضعها، وبالتالي لنتائجها في مسار المفاوضات مع صندوق النقد. وتوقف علامة في اتصال مع "لبنان 24" عند ما ذكره بيفاني في مؤتمره، عن تحذير اللبنانيين من إجراءات ستطال إيداعاتهم، "علمًا أنّ الخطّة لم تأتِ على ذكر شطب الودائع لا من بعيد ولا من قريب، بل تمحورت حول انخفاض سعر سندات اليوروبوند عشرين سنتًا، والبحث عن شطب جزء إضافي من الدين بعد ارتفاع سعر السندات. وفي تلاوته لموجبات الإستقالة لم يشأ تحميل الدولة أيّ مسؤولية عن الخسائر الناجمة عن سياساتها المالية، علمًا أنّ هناك أموالًا إستدانتها الدولة، وأنفقتها سواء على التعهّدات أو في القطاع العام وغيره، وهي الجهة المسؤولة عن ذلك. والملف أنّه عندما يتم الحديث عن سندات الخزينة سواء بالليرة اللبنانية أم بالعملة الأجنبية، يتغاضون عن ذكر أنّ هناك الكثير من مستحقّات الدولة دُفعت كسندات، سواء للمستشفيات او للمتعهدين او لبعض المقرضين . فهل العملية التي أشار إليها بيفاني هي بقصد شطب هذه السندات؟"
بيفاني وشاوول هما في عداد الوفد المفاوض مع صندوق النقد، ولا بدّ من انعكاس تداعيات استقالتهما على جولات التفاوض. وهنا لا يرى علامة أنّ الأسباب الموجبة لكلاهما متشابهة "شاوول عندما إعتذر عن متابعة مهامه، ذكر خمسة أسباب رئيسية، منها عدم الرغبة بإجراء إصلاحات تطال القطاعات الأكثر عبئًا على الخزينة، أي الكهرباء والمياه والقطاع الإستشفائي، وتحدّث عن عدم وجود نيّة للإصلاح الإداري ولإعادة هيكلة النظام الضريبي الذي يترك مجالًا للتهرب الضريبي. في حين أنّ بيفاني وضع الأسباب الموجبة لإستقالته في الإطار السياسي، وعمد إلى التنصّل من أيّ مسؤولية مباشرة، ونفى الأخطاء الواردة في تقديرات سلسلة الرتب والرواتب، والسندات وصولًا إلى أرقام الخسائرالواردة في خطّة الحكومة، ولم يرد تحميل أيّ جهة مسؤولية تلك السياسات المالية التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه، في الوقت الذي يجب فيه تحمّل المسؤولية".
جولات التفاوض مع صندوق النقد لم تكن موفّقة منذ انطلاقتها، بحيث وجد مفاوضو الصندوق أنفسهم أمام فرق لبنانية متنازعة. واشترطوا إصلاحات هي نفسها التي وردت في شروط مؤتمر "سيدر"، لم يُنفّذ منها شيء، وقد عبّرت المديرة التنفيذية للصندوق كريستالينا جيورجييفا عن الأفق المسدود بقولها "لا أرى سببًا للإنفراج في المفاوضات مع لبنان"، فهل ينعي الصندوق التفاوض؟
"لا أعتقد إطلاقًا أنّ صندوق النقد يذهب باتجاه إيقاف المفاوضات، ولكن الأكيد أنّ ما يحصل ينعكس انخفاضًا في تقديرات صندوق النقد للوضع اللبناني، وبالتالي ما يمكن أنّ يقدّمه ضمن برنامجه سيكون متواضعًا، بحيث أنّه لن يفي بغرض إنقاذ الوضع المالي المتدهور، لتتلاشى الآمال الحكومية بقروض تترواح ما بين 5 و10 مليار دولار".
فرص النجاة تتضاءل. فهل تقدم الحكومة على خطوة إصلاحية جريئة، تشكّل صدمة إيجابية للداخل والخارج، أم تواصل معزوفة التركة الثقيلة والنقاشات العقيمة، فيما المركب يسارع نحو قعر الهاوية؟