لم يكن عابراً تَعمُّد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أمس "تطيير" رسالة بالغة الدلالات إلى رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة سعد الحريري عشية سفرهما اليوم، الأوّل الى الكويت والثاني الى دافوس، الأمر الذي عَكَسَ أن البلاد ما زالت معلَّقة فوق صفيحِ ما بات يُعرف بـ "أزمة المرسوم" التي تشهد منذ أسابيع جولات "كرّ وفرّ" تفصل بينها "استراحات" تبدو أقرب إلى "هدوء ما بين العاصفتيْن".
سطرٌ واحد مفاده "الذي يُطبَّق اليوم على اللبنانيين: اللاطائف واللادستور". هكذا قال رئيس البرلمان أمس في أول الكلام بعد عودته من طهران حيث التقى كبار المسؤولين وبينهم مستشار المرشد علي الخامنئي عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي الذي أطلق إشارةً بالغة الدلالات حين أعلن "ان السيد بري له دور مهمّ للغاية في إقامة لبنان جديد".
وإذا كانت عبارة ولايتي أطلقت سيلاً من التكهنات حيال مغازيها وأي "لبنان جديد" يقصده وبأي خيارات وتوازنات، فإن أوساطاً مطلعة توقفت بعناية عند جوهر وتوقيت الموقف التصعيدي الذي أطلقه بري والذي عبّر عن احتدام "المنازلة" مع عون حول مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش، وذلك بعد ما يشبه "الوقت المستقطع" في هذه "المعركة"، بعد اعتبار الرئيس اللبناني أن الموضوع انتهى لجهة عدم الحاجة الى توقيع وزير المال (حالياً شيعي) على المرسوم استناداً الى رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل حول "عدم اختصاصه" في هذه الحالة، وتأكيده رفض المساس بصلاحياته وتشديد القريبين منه على ان المرسوم بات نافذاً ومَن يُرِد الاعتراض فليلجأ الى القضاء.
وفي رأي هذه الأوساط أن كلام بري أمس في أعقاب زيارته لإيران جاء ليُنهي مرحلة الضبابية حيال موقع "حزب الله" من "المواجهة" بين حليفيْه، وتأكيد المؤكد لجهة وقوف الحزب خلف شريكه في الثنائية الشيعية في هذه المواجهة التي لم يعد رئيس البرلمان يُخفي أنها تدور "في ملعب" نظام الطائف، وسط خشية تتعاظم في بيروت من أن يكون "تكبير الحجر" في "أزمة المرسوم" واعتبار أن "الطائف" على المحكّ يُخْفي إطلاق مسارٍ متدرّج، "يعيش" على التأزيم، بهدف انتزاع تعديلاتٍ على النظام السياسي وتحت سقفه بما يوفّر للمكوّن الشيعي تحصيل «فيتو صافٍ» داخل السلطة التنفيذية عبر وزارة المال التي يريد تكريسها عُرفاً للطائفة الشيعية وفي الوقت نفسه تثبيت توقيعها على كل المراسيم بما يجعلها "شريكة مقرِّرة" لرئيس الجمهورية المسيحي ورئيس الحكومة السني، وهو ما يشكّل أحد الخلفيات الحقيقية في "المنازلة" حول مرسوم الأقدمية والتي باتت تصطدم بترسيمات التوازنات بين الطوائف وفق ما أرساه الطائف.
ولاحظتْ هذه الأوساط أن بري بكلامه عن الطائف والذي لاقاه فيه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط معلناً أنه "خلف كل قرار تقريباً من مجلس الوزراء يجري تعميق وزيادة العجز بدل الحد منه، لكن الأخطر يجري تجويف وتفريغ الطائف بدل التمسك به وتطويره"، إنما يحاول إحراج الحريري الذي يتولى رئاسة مجلس الوزراء الذي أناط به الطائف مجتمعاً صلاحياتٍ كانت لرئيس الجمهورية، لافتة الى أن هذا الأمر يعكس محاولة لـ "زكزكة" رئيس الحكومة عبر الإيحاء بأن في موقف عون عودة إلى ما قبل نظام الطائف وتالياً الضغط لفكّ الارتباط الوثيق والذي زاد بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة في الفترة الأخيرة، بما يسهّل مهمّة الاستمرار في "قضم" الطائف التي بدأت عملياً منذ خوض الثنائي الشيعي معارك الثلث المعطّل في الحكومات ثم سحب الغطاء الميثاقي عن أي حكومة يغيب عنها.
وكان لافتاً، حسب الأوساط نفسها، انه "على وهج" كلام بري، زاره النائب وائل ابو فاعور (موفداً من جنبلاط) الذي ذكّر بوجوب "احترام الطائف الذي هو روحية قبل أن يكون نصاً ونأمل ألا تكون هناك رغبة بالقفز فوق الطائف"، قبل ان ينتقل بعد الظهر للقاء الحريري في محاولة لحضّه على استكمال مبادرته لجهة إعادة المرسوم الى وزير المال لتوقيعه بعد توأمته مع مرسوم الترقيات، وهو ما يرفضه في شكل قاطع رئيس الجمهورية.
(الراي الكويتية)